مرحبا بكم أعزائى زوّار مدونة لقمة عيش ، ونلفت الانتباه إلى أن جميع المقالات المنشورة خاصة بصاحب ومحرر المدونة مالم يشار إلى إسم أو مصدر آخر - مع خالص تحيات المحرر: أبوالمعالى فائق

الاثنين، 25 مايو 2009

0 الخلل الاجتماعي وظاهرة الانتحار

يحمل كل منا من هموم الحياة ما يستطيع حمله , وحين تأتيه همومٌ أكثر تجده با ت مضطرباً و تتغير فجأة اتجاهاته دونما إرادة و تنشأ مع تراكمات الهموم حالة من التمرد على الذات , وربما تتسع الدائرة لتصبح تمرداً على الواقع المعاش , وقد تؤثر تلك الاضطرابات على كل المعاملات التي يتعامل بها الشخص صاحب الهم الزائد . وحين نتكلم عن الانتحار كوسيلة للتخلص من هذه الضغوط الجديدة , أو على مالا تطيقه إمكانية الفرد فيجب أن ندرك أن هناك خللاً ما في منطقةٍ ما هو ما أدى إلى هذا الهروب الأخير , وهذه العدوانية الذاتية التي جعلت الفرد في هذه الحالة يستغنى بإرادته عن كل أحلامه التي تراكمت على مر الزمن و تحولت إلى حمل ثقيل أجهد كاهل حاملها , و أسباب عدم تحقيقها , وهل هناك ثمة رضاء في مثل هذه الحالة غير الإنسانية بالمرة , بل ولا نبالغ حين نصفها باللا مخلوقية "نسبة إلى جميع المخلوقات" التي خلقها الله عز وجل في هذه الدنيا .. وكيف للإنسان الذي كرمه الله على كل هذه المخلوقات أن تهون عليه ذاته و نفسه ويفقد بيده اتصال روحه بجسده في لحظة قد تكون عابرة لا أكثر ولا أقل . و هنا علينا أن ننظر إلى حالات الانتحار بشكل قد يختلف وقد يتفق مع ذاتها. وما جاء به علماء النفس عبر القرون و التصنيفات المتباينة نوعاً ما و المتضادة في بعض الأحيان , حيث أن في الماضي كانت نسبة الانتحار تتواجد بكثافة في الطبقة الغنية من المجتمع " طبقة الاستقراط" و كانت اغلبها حالات انتحار لكثرة المال و فقدان اللذة .. أو عدم حصولهم- رغم كل ما يمتلكونه- من مقومات السعادة على "السعادة" ذاتها .. فما بالنا إذ وجدنا أن هذه الحالة الآن قد تفشت في الطبقة الفقيرة هذه الطبقة التي تغيرت معالمها منذ فترة لأسباب أغلبها سياسية , ووعود على شكل أحلام وردية أمنوا بها أكثر من إيمانهم بخالقهم فتحولت بين لحظة و أخرى إلى كابوس أدمي .. هذه الطبقة التي أعطاها الله نعمة الفقر" المادي" لغناهم بالعفة , و رضائهم بأقل القليل و حمدهم إياه على هذا القليل , وإلى زمن قريب كانت هذه الفئة من المجتمع يتكون أغلبها من الأميين الذين لا يقرءون ولا يكتبون و لا يشتغلون إلا بالأعمال الخدمية البسيطة , و هؤلاء وهم في نظري جند الأرض الحقيقيين, وهم أيضاً دعائم الحياة الكريمة , و حين حدث الخلل المجتمعي بين الطبقات, و ترك كل منا جذوره ليبحث عن فروع جديدة تبدلت القيم و اندثرت المبادئ , وبات العالم على شكله الجديد "العالم المادي" الذي يؤمن بالمادة و باللذة الذاتية, حتى أصبحنا لا نجد من يقدم تلك اللذة للأخر .. و لأن التفاوت الاجتماعي مطلوب في كل عصر وفي كل زمن بما يحافظ على احترام الإنسان لأخيه الإنسان.. ومعرفة دوره في الحياة و على أي درجة يستطيع هذا أو ذاك أن يقدم خدمته لباقي المجتمع , إلا أن البعض رأى رؤية مغايرة تماماً لهذه النظرة , فأصبح من يملك مالاً و صناعة يريد بهذه الصناعة وبهذا المال أن يستعبد من لا يملك مثله وخاصة ممن لديهم علم قد يفوق علمه , و تبدلت نظرة الخادم والمخدوم حين ترك الزارع زراعته ليتاجر في الأوراق التي لا تنبت سوى أوراق .. فوجدنا عالم الأوراق ولم نجد ما هو أصل الحياة أو ما تعتمد عليه الحياة من مأكل , ترك أصحاب الزراعة زراعتهم و ترك أصحاب الصناعة صناعتهم باحثين عن الربح السريع .. ففقد المجتمع أهم طبقتين من طبقات المجتمع الأساس ,و عنصريها اللذين بدونهما لا يكون هناك مجتمعاً بالأساس. .. فهما ما يشكلان وحدة الإنتاج و العمل, و بدونهما تصبح البلاد بلا أهمية وبلا مستقبل, حين استسهل الشباب مسألة التعلم ثم التوظيف بعد التعليم الذي لا يُعلِّم ما ينفع في الحياة العملية خاصة وأشك أنه قد ينفع في الحياة الفكرية أو الثقافية , لأن التعليم منذ زمن لا يعتمد على التعلم بل على التلقين والحفظ حتى فترة الاختبار ومن ثم يذهب كل ما جاء لعدم نفعه , و لا يتبقى من هذا التعليم سوى ورقة تشهد بأنه أجتاز المرحلة "الفلانية" في التعليم , ولا أدري أي تعليم هذا... كنت وأنا أتحدث مع عالم جليل على المعاش نتناقش في أمور الحياة و خاصة في تغير أخلاقيات المجتمع ,فسرد لي واقعة حدثت معه أمام احد أشكاك بيع الخبز المتواجدة أمام الأفران, فقال لي بعد صلاة الفجر ذهبت إلى الفرن لأشترى خمسة أرغفة من المنفذ.. وبعد مدة جاء دوري فوجدت العامل يرمي لي الخبز بطريقة غبية .. فنهرته و أعدت له الأرغفة قائلاً له تعلم الأدب أولاً ثم قف في هذا المكان كي تتعلم كيف تعامل الناس , تداخلت معه وقللت له أن هناك شيئاً حدث للشخصية المصرية , فمثلاً هذا العامل أليس متعلماً قال بلى ,, قلت له لذلك فعل هذا .. ثم أكملت حديثي قلت له لنعد إلى ثلاثين عاماً أو أكثر بقليل حينما كان العامل في المخبز عاملاً جاهلاً أكان يفعل ذلك؟ نظر إلى هازاً رأسه قال لا لم يكن ليفعل هذا , قلت له لأن هذا (العامل الجاهل) كان جاهلاً في علم القراءة والكتابة فقط بمعنى أنه كان أمياً لكنه كان يدرك قيمة ما يعمل و يحافظ على عمله من خلال حفاظه على أخلاقياته و على احترام من حوله فيجد الاحترام المتبادل بلا تقصد , أما هذا –المتعلم- فهو في رأيي الجاهل الحقيقي الذي لم تشفع له سنوات التعليم في أن يُكَوِن هذه الثقافة التي كانت عند العامل القديم , الذي تربى على احترام الناس فاحترم عمله و من يتعامل معهم , أما هذا العامل –المتعلم- فتعليمه كان وبالا عليه وعلى من يتعامل معهم لأنه ينظر إلى كل شخص يأتي أمامه أنه قد يكون أفضل منه , وأنه كان لا يجب أن يكون في هذا المكان بل من المفترض أن يكون له مكتبه الخاص ولا مانع أن تكون تحت يديه سكرتيرة تنظم له العمل و تنظم له دخول وخروج المتعاملين معه , ولكن ظروف العمل الآن لم تعطه هذه القيمة"التي في خياله" فبات ساخطاً على نفسه وعلى المجتمع بأسره , و نظر إلى نفسه بنرجسية في غير محلها , فلا هو استطاع أن يبقى في طبقته الطبيعية(طبقة الفقراء) ولا هو استطاع أن يجد له مكاناً في طبقة المثقفين(الطبقة الوسطى) لعدم إلمامه بمعنى الثقافة ولا حتى ثقافة العامة وبراءتها التي كانت تتشكل في الطبقة الدنيا على أخلاقيات و أسس المجتمع المتكامل الذي يكمل كل منهم الأخر ..ولا هو استطاع أن يكون من الطبقة العليا . فبات غريباً في مجتمع أغرب , وقد يكون هذا الناقم متعايشاً برغم عدم تقبله لوضعه الذي يراه أدنى من مستواه – من وجهة نظره – وأن امكانياته و مرتبته يجب أن تفوق ما هو عليه بكثير , إلا انه يعتبر في هذا الوقت محظوظاً لأنه وجد عملاً يستطيع من خلاله أن يعتاش من ورائه . بينما يقبع زملائه على المقاهي يحتسون الشاي و القهوة وربما الشيشة على الحساب الذي قد يُدفع أو لا يُدفع.. وفي حالة دفعه يكون من المصروف الذي يقتنصونه من والديهم اللذين نجيا في زمن سابق من البطالة .. وهذا العصر الموصوم "بعصر التكنولوجيا" و العالم المنفتح هو الأخر أصبح نقمة على الشعوب البسيطة حيث أصبحت الحاجة للحياة فيه على غير ما ألفه الإنسان على مر العصور وازدادت الأعباء بلا معنى , فالحاجة الآن لم تعد كسالف عهدها تكفي بالقليل بل أصبحت الكماليات فيه ضروريات و أصبحت الضروريات أكثر ضرورية .. فلم يجد الجيل الحالي هناك مفراً من أن يحمل كل هذه الضروريات كحمل ثقيل على كاهله الضعيف الواهن , و يبحث عن سد هذه الاحتياجات التي تزداد يوماً بعد يوم دون أن يجد له منفذاً و لا يداً تمتد له تساعده وترشده للطريق المستقيم .. أصبح التعليم الذي لا يؤهل لعمل أو علم إحباطاً أكثر لهذه الشعوب , فلا الحكومات تركتهم في حالهم يعملون في أراضيهم أو مصانعهم ولا هي عوضتهم بما يتعلمون عن السنوات التي أبعدتهم بسببها عن تعلم مهنة أو عمل يستطيعون من خلاله ارتزاق قوت يومهم , إلا من رحم ربي و تربى على مبدأ العمل , فتخرج هذا الطالب أو ذاك وقد بلغ من العمر مالا يجعله يستطيع العودة إلى فطرته التي دنستها سنوات التعليم بأفكار رجعية مريضة , و أملٌ لا يمكن تحقيقه في ظل هذه الأعداد الغفيرة التي تتخرج كل عام دون حاجة إليهم , فبتنا نسمع أن هناك أطباء ومهندسين لا عمل لهم بعد أن كان خريج الابتدائية والإعدادية وأحياناً كان ممن يجيدون القراءة والكتابة بلا شهادة يشتغلون "كاتباً" أو ما كانوا يدعونهم (باش كاتب) وهو الآن نفس الباش كاتب هذا أصبح يعين من خريجي الكليات العليا , وحسب المكان بالطبع . ففي بعض الإدارات العليا في الدولة يتطلب أن يكون هذا (الباش كاتب) ممن يحملون درجة الماجستير وربما الدكتوراه, فباتت فرصة الأغلبية معدومة في إيجاد فرصة للعمل . مما أدى إلى عدم إيجادها فرصة للحياة ذاتها , فتحطمت الآمال .. ووئدت الأماني والطموحات , ومع الانهيار الممنهج للمجتمع والذي بات مجتمعاً خالياً من (الأخلاق) بعدما أُبعِدَ الفرد عن تعلّم الفضيلة بمناهج أراها من وجهة نظري تدميرية أكثر من كونها تجهيلية. لأن التعليم من أهم واجباته هو أن يبني ذائقة و ثقافة وعلم الفرد , وخاصة من الناحية الأخلاقية , فعكس هذه المتطلبات من العلم وجدنا خريجاً خالياً من مقومات (الأخلاق) والعلم و انعدمت ذائقتُهُ الفطرية و اكتسب ذائقةً صناعية أخرى لا تعطيه ما يجعله يعيش بل تعطيه أسباباً إما للانهيار أو للانتحار أو لتدمير من حوله كي يعيش هو , فنشأت النظرة العدوانية. وللحديث دائماً بقية بإذن الله

حسين راشد
نائب رئيس حزب مصر الفتاة
وأمين لجنة الإعلام
رئيس الاتحاد العربي للإعلام الالكتروني
ورئيس تحرير جريدة مصر الحرة الإلكترونية

0 التعليقات:

إرسال تعليق