مرحبا بكم أعزائى زوّار مدونة لقمة عيش ، ونلفت الانتباه إلى أن جميع المقالات المنشورة خاصة بصاحب ومحرر المدونة مالم يشار إلى إسم أو مصدر آخر - مع خالص تحيات المحرر: أبوالمعالى فائق

الأربعاء، 17 أكتوبر 2012

0 مطلوب التدرّج فى تطبيق الشريعة الإسلامية

من مظاهرة فى 29/7/2011
     كثر الحديث فى تلك الآونة عن تطبيق الشريعة الإسلامية،وهذا المطلب ليس فقط مطلب التيارات الإسلامية..بل هو مطلب معظم الشعب المصرى الذى يعلم تماما أنه لن يحصل على حقوقه كاملة إلا فى ظل تطبيق الشريعة الغراء التى تساوى بين الحاكم والمحكوم،لكن يا تُرى هل الوقت مهيأ الآن لتطبيق الشريعة الإسلامية فى ظل تلك الأجواء الملتهبة،أعلم أن الهجمة شرسة ضد التيارات الإسلامية يقابلها هجمة مضادة من المدافعين عن تلك التيارات يتخللها من حين لآخر بعض السقطات التى تخيف الآخرين من مصطلح "الشريعة الإسلامية" وعلى الإسلاميين أن لا يتسابقوا فى منهج من يخالفهم فى السباب والقذف والسب الذى يؤذى مشاعر المواطنين فإذا تساوى الرجل الذى يدّعى أنه يدافع عن شرع الله مع من يناهض المشروع الإسلامى فلا فرق بين الطرفين ويتحول الأمر من دفاع عن مهمة سامية إلى دفاع عن أشخاص وبالتالى يفشل المشروع الذى ينادى به التيار الإسلامى،ولا يشك أحد أن الأمن والأمان والعفة والطهارة وحتى العدالة الاجتماعية لم ولن تتوفر إلا فى ظل شريعة سمحاء التى تسير تحت مادة قانونية سامية ألا وهى: "لا فضل لعربى على أعجمى إلا بالتقوى".
     وإذا كانت الشريعة كما عرّفها بعض الأئمة مثل الإمام القرطبى: "أنها الطريقة الظاهرة التى يتوصل بها إلى النجاة،وإلى الماء،والشريعة فى اللغة ما شرع الله لعباده من الدين" ويقول العلامة الشيخ شلتوت فى مؤلفه الإسلام عقيدة وشريعة: " إن الشريعة اسم للنظم والأحكام التى شرعها الله،أو شرع أصولها،وكلف المسلمين إياها ليأخذوا أنفسهم بها فى علاقتهم بالله،وعلاقتهم بالناس،وأنها على كثرتها ترجع إلى ناحيتين رئيسيتين: ناحية العمل الذى يتقرب به المسلمون إلى ربهم كما يتخذه المسلمون سبيلا لحفظ مصالحهم ودفع مضارهم فيما بينهم وبين أنفسهم أو بينهم وبين الناس، وايضا ناحية العبادة كالصلاة والصوم والزكاة والحج".بالتأكيد التعريف مختصر جدا.
     وتعريفات الشريعة الإسلامية كثيرة وأى معرّف لها قديما كان أو حديثا لن يخرج المعرّف لها عن كونها تصب فى مصلحة البلاد والعباد،كما يهدف أى تعريف للشريعة الإسلامية إلى الاهتمام بكرامة الإنسان وآدميته،وكثيرا من الدول غير الإسلامية تطبق كثيرا من الإسلام دون أن تسميه شريعة إسلامية..تطبيق الشريعة الإسلامية التى نريد هو تطبيق كامل..هذا التطبيق الكامل لا يمكن تمريره بين عشية أو ضحاها،لكنه فى حاجة إلى تدرّج وروّية ولا يعنى أن تيارا إسلاميا قد وصل إلى الحكم أنه يستطيع تطبيق الشريعة بالقوة حتى لو كانت تلك القوة هى قوة وسطوة القانون فإن هذا العمل يوغر الصدور وتكون نتيجته عكس المراد تماما،وهنا لا بد من الرجوع للوراء للنظر كيف كان ينظر الحاكم الفاهم للأمور مثل "عمر بن عبدالعزيز" الذى جاء خلفا لبعض حكام بنى أمية حيث كان الظلم لديهم كشرب الماء فلننظر ماذ فعل هذا الحاكم وماذا قال بعد أن ولى الخلافة عام 99 هجرية وأراد أن يطبق شرع الله فى الأرض ليملأها عدلا بعد أن ملأها من جاءوا قبله ظلما وجورا،وكان فى عصره أيضا فلولا ومؤامرات وإعلام موجه كل حسب عصره..لكن "عمر بن عبدالعزيز" كان يتصف بالحكمة والروية فيقول "عمر" وهو من هو: لوأقمت فيكم خمسين عاما ما استكملت فيكم العدل،إنى لأريد منكم الأمر وأخاف أن لا تحمله قلوبكم" هذا يعنى أنه يريد وقتا طويلا لاستكمال أو إقامة العدل الذى يريده الشرع وهنا لا بد للعودة من تاريخ توليه الحكم عام 99 هجرية وقارنوا بين هذا التاريخ والتاريخ الذى نحن فيه الآن وكم كان قريبا هو من عهد جده "بن الخطاب" ومن حكم الصحابة ومن قبلهم رسول الإنسانية محمد العربى (صلى الله عليه وسلم) ثم لننظر المسافة التى بيننا وبين هذا التاريخ،هذه رسالة أتوجه بها للمتعجلين لتطبيق الشريعة الإسلامية ليقرأوا هذا الحوار بين الأمير وابنه عبدالملك الشاب التقى المتحمس وإن شئت فقل: الشاب الثورى هذا الشاب يريد من أبيه أن يسرع فى تطبيق الشريعة مرة واحدة ليسرع فى الإصلاح فيقول لأبيه:" يا أبت مالك لا تنفذ الأمور والله لا أبالى لو أن القدور غلت بى وبك فى الحق" هذا منطق الشاب الثائر لأبيه الحكيم فيرد عليه الحاكم البصير بأمور دولته وطبيعة أهل بلده فيقول: "لا تعجل يا بنى فإن الله ذم الخمر فى القرآن مرتين وحرمها فى الثالثة،وأنا أخاف أن أحمل الناس على الحق جملة فيدعونه جملة ويكون من ذلك فتنة" هذا هو الفهم الحقيقى لمفهوم تطبيق الشريعة وليس الأمر كما يتصوره البعض أنه يمكن تطبيقه بوضع مادة فى دستور، إن الحاكم "عمر" يريد أن يحبب الناس فى الشريعة بطريقة عملية فحينما يشعر الناس بالثقة فى الحاكم وعدله بين الناس هم الذين سيعاونونه على تطبيق الشريعة ،ولأن الولد هو ابن الأمير عمر يريد له ولوالده النجاة من النار فيعاود حواره مع أبيه فى صورة سؤال يهز الأبدان فيسأل عبدالملك والده: "يا أمير المؤمنين ما أنت قائل لربك غدا إن سألك فقال: "رأيت بدعة فلم تمتها،وسنّة فلم تحيها؟" فيرد عليه الأمير الحكيم قائلا: "رحمك الله،وجزاك من ولد خيرا،والله لأرجو أن تكون من الأعوان على الخير يابنى،إن قومك قد شدوا هذا الأمر عقدة عقدة،وعروة عروة،ومتى أريد مكابرتهم على انتزاع ما فى أيديهم لم آمن أن يفتقوا علىّ فتقا تكثر فيه الدماء،والله لزوال الدنيا أهون علىّ من أن يراق قى سببى محجمة من دم" وكان الولد البار بأبيه دائما يناقشه فى أمر الشريعة فأراد الحاكم الذكى أن يلفت نظر ابنه فى قضية التدرج فى الشريعة فيقول له: "يا بنى،إن نفسى مطيتى إن لم أرفق بها لم تبلغنى،إنى إن أتعبت نفسى وأعوانى لم يكن ذلك إلا قليلا حتى أسقط ويسقطوا،وإنى أحتسب فى نومتى من الأجر مثل الذى أحتسبه فى يقظتى،وإن الله جل ثناؤه لو أراد أن ينزل القرآن جملة واحدة لأنزله،لكنه أنزل الآية والآيتين حتى استكمل الإيمان فى قلوبهم،يا بنى ما أنا فيه من أمر هو أهم إلىّ من أهل بيتك،هم أهل العدد والعدة،وقبلهم ما قبلهم فلو جمعت ذلك فى يوم واحد خشيت انتشاره علىّ،لكنى أنصف الرجل والرجلين،فيبلغ ذلك من ورائه فيكون أنجح له،فإن يرد الله إتمام هذا الأمر أتمه،وإن تكن الأخرى فحسب عبد أن يعلم أنه يحب أن ينصف جميع رعيته"

     لا نسئ الظن ابدا بالمتعجلين لتطبيق الشريعة الإسلامية جملة واحدة،لكننا فى الوقت نفسه لا بد وأن نتعلم كيف نصل إلى الهدف بأقل خسائر ممكنه وبعد أن يثق الناس فى أولى الأمر،والحذر الحذر من الفجاة فى التغيير،وعمر بن عبدالعزيز يعتبر النموذج الرائع فى منهج التغيير والإصلاح بعد الفساد،والله من وراء القصد.

0 التعليقات:

إرسال تعليق